كتابات

اليمن بعد 10 سنوات من الحرب: أزمات إنسانية واقتصادية وسياسية متشابكة

بقلم الصحفي / احمد السريحي

اثناء دخول التحالف العربي بقيادة السعودية (بدعم إماراتي وأمريكي) العام 2015 براً وجواً في اليمن تحت مسمى «عملية عاصفة الحزم» ضد الحوثيين .
ولم تمضِ سنوات طويلة حتى تحوّل الصراع إلى كارثة إنسانية هائلة. اليوم، يحتاج أكثر من 21 مليون يمني إلى مساعدات إنسانية أساساً لتوفير الغذاء والرعاية الصحية

ويعدّ الحوثيون الجهة المسيطرة على ثلث مساحة البلاد ونحو ثلثي سكانها ، بينما تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً (بقيادة المجلس الرئاسي منذ 2022) على أجزاء من الجنوب والشرق (عدن، مأرب وحضرموت) والمحافظات المطلة على البحر العربي، إلى جانب وجود قوي للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ومحافظات جنوبية أخرى وقد دفعت هذه التقسيمات السياسية الدموية بتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية على حد سواء.

من جانب الوضع الإنساني في اليمن

فقد تضاعفت معاناة المدنيين خلال الأزمة: فقد وثّق يونيسف مقتل أو إصابة أكثر من 11,000 طفل جراء القتال منذ 2015 . وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ إجمالي الوفيات بسبب الحرب (مباشرةً أو بسبب تبعاتها الصحية والغذائية) وصل إلى نحو 377,000 شخص بين 2015 ومطلع 2022، 60% منهم لظروف غير مباشرة (الجوع والأمراض)

كما نزح نحو 4.5 مليون يمني داخلياً جراء النزاع ، وكاد نصف السكان يعانون انعداماً حاداً للأمن الغذائي، حيث يواجه نحو 5 ملايين يمني خطر المجاعة فعلياً .

والى تفاقمت الأزمات الصحية بفعل انهيار الخدمات فحسب منظمة اليونيسف تعمل نحو نصف المرافق الصحية فقط
مما جعل نحو 22 مليون شخص بلا رعاية طبية ملائمة. وعلى وقع ضعف النظافة والمياه الآمنة استمر انتشار الأمراض الوبائية، فقد سجلت اليمن خلال 2024 نحو 249,900 حالة مشتبه بها من الكوليرا، مع 861 وفاة (وهي نسبة تمثل 35% من حالات الكوليرا العالمية المبلَّغ عنها)، بعد سلسلة وبائية ضخمة أعوام 2017-2020 تجاوزت 2.5 مليون حالة
وتشير الاحصائيات الى أن نحو 2.2 مليون طفل يمني يعانون سوء تغذية حاد بما فيهم نحو 540 ألف طفل دون الخامسة من عمرهم في حالة سوء تغذية شديدة مهددة لحياتهم.

والى الوضع الاقتصادي فقد شهد الاقتصاد انهياراً شبه شامل.

لقد توقّع البنك الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي لليمن 2.0% عام 2023، و 1.0% عام 2024، بعد نمو طفيف عام 2022.
وبمقارنة عام 2015 مع 2023 يلاحظ تراجع نصيب الفرد من الناتج الحقيقي بنسبة 54%، مما دفع أغلب اليمنيين تحت خط الفقر .

ويقضي اليمنيون جزءاً متزايداً من دخلهم على الغذاء ففي عدن مثلاً قفز التضخم إلى 7% بسبب انهيار سعر الريال فيما باتت الأسر تستهلك أكثر من 60% من دخلها على المواد الغذائية فقط

وهذا التدهور الاقتصادي تسبّب بالعديد من المشاكل الاجتماعية: فمع انقسام البلاد اقتصادياً ظهرت مناطق نفوذ متنافسة، وزادت نسبة العاطلين عن العمل، خاصةً لدى الشباب.

بالتزامن يكاد الانهيار الاقتصادي مع انهيار في الخدمات العامة: أصبحت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات متقطعة في كثير من المحافظات

مثل عدن مثلاً يشتكي السكان من انقطاعات متكررة في الكهرباء والمياه رغم وعود السلطات (الحكومية وجنوب اليمنية) بتحسين الخدمات وقد أدّى تدهور مستوى المعيشة هذا إلى احتجاجات شعبية متكررة، لا سيما في الجنوب ومأرب ونهم بشمال البلاد وجميع محافظات الشمال تحت سيطرت المليشيات الحوثية من احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية .

تدهور الوضع الأمني والسياسي

تزداد تعقيدات الأزمة بتداخل الأبعاد الأمنية والسياسية. فالحوثيون يحتفظون بجيش منظّم ووضع إداري في المناطق الشمالية (خصوصاً صنعاء وشمال غرب اليمن) ، بينما تشتد الاختلافات بين الحكومة الشرعية المدعومة خليجياً والمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال

و أظهرت السنوات الماضية عدم اتفاق بين الحكومة والانتقالي، مما انعكس على إدارة الحكومية لمناطق الشرعية واثر (ورفاهية السكان)
ورغم سعي الأمين العام للأمم المتحدة وأطراف دولية (مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وقطر) إلى دفع الحوارات السياسية، وايقاف المعارك في جبهات لكن مأرب وشبوة ما تزال متصاعدة في فترات عدة، ما يدفع البلاد نحو حالة عدم الاستقرار.

فشلت جهود السلام

جهود السلام شهدت مؤشرات إيجابية محدودة
فخلال 2022 تم الاتفاق برعاية أممية على هدنة (امتدت ستة أشهر) وتبادل للأسرى بين الأطراف. وعلى سبيل المثال، نجحت مفاوضات جنيف والأردن في ديسمبر 2023 بوساطة الأمم المتحدة والصليب الأحمر
وأدت إلى الإفراج عن نحو 900 معتقل من جميع الأطراف ، في مشهد اعتُبر دليل قوة التفاوض السلمي لكن الهدنة انتهت في أكتوبر 2022 دون تثبيت سلام دائم، واستؤنفت الاشتباكات لاحقاً و كما أعلنت الإدارة الأميركية في فبراير 2021 إيقاف دعمها للعمليات العسكرية للتحالف العربي (وكذا رفع تصنيف الحوثيين عن قوائم الإرهاب) أملاً في دفع الحكومة والداعمين لتحقيق تقدم سياسي
ثم أعادت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في يناير 2024 بذريعة تهديدهم الملاحة في البحر الأحمر . رغم هذه الجهود الدولية، تظل التوترات الإقليمية وغياب الثقة بين الأطراف عائقاً أمام سلام مستدام في الاطراف اليمنية

اثر التدخلات الخارجية

دخلت القوى الإقليمية والعالمية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في النزاع. ففي بداية الأزمة، قاد التحالف العربي (السعودية والإمارات) ضربات جوية مكثفة على مواقع الحوثيين، ما أدى إلى دمار واسع في البنية التحتية (جسوراً ومستشفيات وأسواقاً) وسقوط آلاف الضحايا المدنيين
وتشير تقديرات مراقبين إلى أن ضربات التحالف أودت بحياة نحو 24,000 شخص، ضمنهم ما لا يقل عن 9,000 مدني
كما فرض التحالف حصاراً بحرياً على الموانئ، مما عمّق عجز الاقتصاد واستنزف الموارد الغذائية والطبية واصل التحالف غاراته بمعدل آلاف الضربات (أكثر من 25 ألف غارة جوية منذ 2015) رغم الدعوات الحقوقية لوقف استهداف المدنيين والمرافق الحيوية الا ان الحوثيين يتخذون المدنيين كدروع بشريه والمرافق الحيوية ملجأ لهم تحت مناطق سيطرتهم.

في المقابل، لعبت إيران دوراً بارزاً بتعزيز قدرات الحوثيين. فبحسب تقارير أمريكية وأوروبية، زودت طهران الحوثيين بأسلحة متطورة وتدريب من الحرس الثوري ففي يناير 2024، اعترضت البحرية الأمريكية سفينة محملة بشحنة إيرانية أسلحة (اشتملت على قطع لطائرات مسيرة وصواريخ ومعدات دفاعية) كانت متجهة للحوثيين
ومن المعروف أن دعم إيران ساهم في قدرة الحوثيين على توجيه ضربات إلى خارج حدود اليمن (خاصة استهداف السفن في البحر الأحمر) كوسيلة ضغط سياسي على المجتمع الدولي للاعتراف بقوتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى